top of page

تقديــــم:

     لقد تعرضت المجتمعات البشرية على مر العصور الى مجموعة من الهجومات من طرف انواع مختلفة من الامراض و الاوبئة كانت سببا في ظهور كوارث مميتة .
     وقد كان معظم هذه الهجومات من اصل فيروسي, والتي بالرغم من التفاؤل الذي اعقب سنوات الستينات بالقضاء عليها فقد عاودت الظهورو بمقاومة اكبر, حيث شكلت خطرا حقيقيا.
       من جهة أخرى فقد يؤدي التطور الذي وصلت اليه تقنية الهندسة الوراثية الى ظهور مجموعة من الاخطار , خاصة تلك الناتجة عن التعديل الوراثي للمواد الغذائية النباتية و الحيوانية .

- المميزات الاساسية لاخطار و كوارث الأحياء 1
 
     تشكل الكوارث البيولوجية (الاحيائية) اكبر خطر مميت مقارنة مع تلك التي من اصل طبيعي او تقني . ذلك انه خلال النصف الثاني من القرن 14 اتى وباء الطاعون على نسبة مهمة من سكان اوربا و اسيا و شمال افريقيا. و في الوقت الحالي هناك امراض لا تقل اهمية عن الطاعون مثل الايدز الذي يمس مجموعة من الاقطار و يسبب مزيدا من الوفيات. اضافة كذلك الى فيروس ايبولا الذي ظهر بافريقيا و قتل اكثر من 88℅ من الاشخاص المصابين .

- الأنواع المعدلة وراثيا, هل هي مخاطر بدون كوارث؟   1.2 
  
     إن ما قدمته الهندسة الوراثية في مجال التحسين الوراثي لدى النباتات و الحيوانات هو اكثر بكثير من التطبيقات التي اجريت على الانسان . فمنذ سنوات و المهندسون الوراثيون يقومون بانتاج النباتات المعدلة وراثيا , كالذرة القادرة على مقاومة الحشرات و انتاج القطن . و تشير التقديرات الى ان اكثر من نصف عدد الاغذية المتوافرة في الاسواق المركزية الامريكية تحتوي على مكونات معدلة وراثيا.
     أما عن الحيوانات المعدلة وراثيا فقد استطاع العلماء انتاج سلالات جديدة من الابقار التي تختص بقدرتها على انتاج كميات كبيرة من الحليب او اللحم . و باستخدام  الطرق الجينية الحديثة , فقد تم استنباط سلالات جديدة من الحيوانات مقاومة للامراض الفيروسية و غيرها و انتاج هرمونات النمو الخاصة بالثروة الحيوانية بطريقة اقتصادية .
    إن المؤيدون للنباتات المعدلة وراثيا يقدمون البراهين على أنها ستكون أرحم للبيئة من النباتات التي تنمو بشكل تقليدي , لانها ستؤدي الى التقليل من استخدام المبيدات الحشرية من قبل المزارعين . و هناك فريق آخر يدعي أن النباتات المعدلة وراثيا سوف تعرض البيئة و الصحة لأخطار مقلقة . و تلقى وجهة النظر هذه دعما واضحا في اوربا التي اصدرت قوانين صارمة لتقييد زرع و استيراد المنتجات الزراعية المعدلة وراثيا.
      و على الرغم من ان بعض العلماء يعتقدون أن تناول الأغذية المعدلة وراثيا لا يخلف اي ضرر للانسان , هناك علماء اخرون يعتقدون ان المعدة لا تستطيع هضم الاغذية المعدلة وراثيا كما تهضم الاغذية الطبيعية . كما انه من الاخطار التي يمكن ان تسببها الاغذية المعدلة وراثيا انها تؤدي الى زيادة نسبة السموم في الاغذية , حيث انها تركب لان تكون مقاومة للحشرات الضارة , و هذا يزيد التعقيد في النظام البيئي .
       لقد خلفت الكوارث التي اصابت البشرية فيما مضى خسائر فادحة في عدد الوفيات , حيث اتت على مناطق باكملها , حيث تمثلت هذه الكوارث في امراض الطاعون و الجذري و الملاريا التي تحولت الى وباء بكل من افريقيا و امريكا االلاتينية .
     و اليوم فان الامراض المعدية لازالت تحصد نسبة مهمة من الارواح , حيث تمثل حوالي الثلث من نسبة الوفيات عبر العالم .
     و تخلف الكوارث التي تصيب الانسان و الحيوان نتائج وخيمة على الاقتصاد و المجتمع . حيث تساهم في تقلص الافراد الذين يشكلون قوة العمل في المجتمع , كما تساهم في تأزم الوضعية الاقتصادية لكثير من الدول حينما تصيب بعض الانواع من الحيوانات كالابقار كما حدث في انكلترا مع جنون البقر .
     و تساهم هذه الكوارث ايضا في تعميق الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية بين الدول . حيث تعمل على تفاقم وضعية الفقر بالدول المتخلفة , و هو ما يساعد على انتشار مزيدا من الاوبئة و الامراض بين السكان في الاماكن المهمشة .
  
1.3- أخطار مدركة بشكل متفاوت

تساهم مختلف مكونات المجتمع في جعل الافراد يدركون المخاطر التي تهددهم كالامراض و الاوبئة و الكوارث البيئية .
      و يلعب الاعلام دورا مهما في هذا الصدد , حيث يلاحظ اليوم ان هذا الاخير يعمل على اعداد برامج للتوعية و التحسيس بمخاطر الامراض الوبائية خاصة أمراض السرطان و السيدا .
     إن إدراك الإنسان لهذه المخاطر يتزايد بشكل كبير , خاصة عندما يتعلق الامر بمخاطر التكنولوجيات الجديدة المستعملة في تحضير المواد الغذائية النباتية و الحيوانية  . و هنا لابد من الاشارة الى المواد المعدلة وراثيا التي أثارت جدلا اعلاميا كبيرا , خاصة عندما يمس هذا التعديل الحيوانات و الانسان .
      ذلك أن التعديل الوراثي للجينات بهدف نقلها الى جسم حيوان او انسان يحدث اضطرابا داخل الجسم المستقبل لهذا الجين , و قد يشكل خطرا كبيرا لهذا الكائن .
ثم انه بالنسبة للمواد المعدلة وراثيا هناك تصورين أو إدراكين, فهي سلبية حينما يتعلق الامر بالمواد الغذائية , و إيجابية عندما تحمل جديدا في مجال الطب و الادوية .

  1.4- أخطار متكررة و كوارث عشوائية 
 
      على مر تاريخ البشرية كانت هناك مجموعة من الاخطار التي تهدد الانسان تعاود الظهور من حين لآخر . ذلك ان هذه الاخطار تتبع دورات جد معقدة , و ذلك تبعا للتغيرات التي يعرفها المناخ و الظروف المحيطة بالانسان .
     لكن معظم الكوارث تحدث بشكل عشوائي و مفاجئ . الا ان الطابع العشوائي لهذه الكوارث لا ينفي وجود سبب مباشر أو غير مباشر لحدوثها .
  
1.5- التطور المتباين للعطوبة
     
لقد رافق التقدم الذي حصل في الميدان الاقتصادي تحسن ملحوظ في مجال الوقاية و الصحة العامة , ذلك أنه بتبني استعمال مجموعة من الطرق الغذائية و الصحية و الوقائية و استعمال بعض الادوية كالمضادات الحيوية فقد تم القضاء على عدة أوبئة التي كانت بالأمس تهدد البشرية .
      لكن مع ذلك يبدو أن أخطارا جديدة تواجه الإنسان تظهر من حين لآخر بشكل مفاجئ , على ان هذه المواجهة ضد الفيروسات و البكتيريا و الامراض المعدية لن تكون دائما رابحة لصالح الانسان .
       فالأمراض و الأوبئة القاتلة تتفشى دائما في المجتمعات الفقيرة الغير القادرة على توفير العلاجات الضرورية و الادوية . في حين أنه في الدول المتقدمة تكون وطأة هذه الاوبئة أقل بسبب توفرها على المختبرات القادرة على تشخيص مختلف هذه الامراض و إيجاد علاجات لها .
      و عموما فان العطوبة( القابلية للاصابة بمرض ما)  تتزايد بثلاث عناصر أساسية , تحركات الانسان , حيث ينقل معه مرض ما أو فيروس معين , الشيء الذي يتسبب في انتقال العدوى . هناك كذلك الازمات الاقتصادية و الاجتماعية , ذلك ان هناك مجموعة من الامراض التي تتكاثر في تجمعات اللاجئين و السجون. ثم أخيرا الثقافة السائدة في المجتمع .

                                                          2  - الانتشار المجالي للمخاطر  
      
هناك بعض المخاطر و الأمراض المهددة للإنسان تنحصر في بعض المواقع و الاماكن دون غيرها , حيث أنه مثلا في الغابة الاستوائية تتركز بعض الامراض الخطيرة التي لانجدها في أماكن أخرى .
   لكن من جهة أخرى هناك كوارث وبائية تظهر في مكان معين و سرعان ما تنتشر على مجال واسع , حيث ان معظم الامراض المميتة تتعدى النطاقات و القارات لتشمل العالم بأكمله , كما هو الشأن بالنسبة للحمى الصفراء التي ظهرت في افريقيا و انتشرت في أمريكا اللاتينية و أوربا , و كذلك بالنسبة للكوليرا و السيدا .
   لكن بالرغم من هذا الانتشار الواسع الذي تعرفه الكوارث الوبائية فان تأثيرها يختلف بحسب مجموعة من العوامل الاجتماعية على مستوى الأقاليم و الدول , حيث يعرف هذا الانتشار عدة تباينات ما بين منطقة و أخرى و مابين مجتمع و آخر .
  
  3 - أنواع مخاطر و كوارث الكائنات الحية     
     
في مجال التغذية و الصحة العامة هناك مجموعة من الاخطار غير معروفة , حيث لاتعيرها المجتمعات أهمية كبيرة . لكن و على الرغم من ذلك فان الكوارث الغذائية ذات الاصل البيوتكنولوجي تبقى قليلة . الا ان نظرة المجتمع الحذرة نحو أي تعديل كيميائي في المواد الغذائية بشكل عام تبقى هي السائدة , و ذلك على الرغم من كون العلم يعمل على ابراز ما لذلك من أهمية و لا يشكل أي خطر .
      إلا أن هذا التباين بين الواقع العلمي و النظرة الحذرة للمجتمع لا تهم سوى بعض الاخطار ذات الاصل الكيميائي . و مع ذلك فان الاخطار و الكوارث ذات الاصل الغدائي تبقى ناذرة و لا تشكل أية أهمية .

  

 


   1.3أخطار غير معروفة

لقد بقيت هناك مجموعة من الأخطار و الأمراض غير معروفة لدى الانسان الى وقت قريب , حيث ظل يجهل طبيعتها و آثارها مع أنها تسبب مجموعة من حالات الوفاة بين صفوف البشر .
     و من بين الاخطار التي تبقى غير مدركة تلك التي يمكن ان تأتي من المواد المعدلة وراثيا , ذلك أن هذه التقنية قد وجدت منذ مدة , وقدمت خدمات كبيرة في ميدان الطب فيما يخص تشخيص الأمراض و معالجتها . و هنا تجب الاشارة الى أن الحصول على الأنسولين الضروري لمرضى السكري لا يتأتى الا عن طريق تعديل بعض الجينات و ادخالها في جسم حيوان لانتاج هذا الانسولين .
     إلا أن هذا التقدم في هذا الميدان لاينفي وجود مخاطر مرتبطة بالتكنولوجيا الاحيائية و المواد المعدلة وراثيا .
 
      2.3- أخطار حقيقية لأمراض حديثة الظهور
    
هناك أمراض عديدة لم تعرف حتى الآن , بالرغم من أنها تشكل خطرا حقيقيا للإنسان , و توجد في أماكن و فضاءات هامشية من العالم . لكن ادا ما حدثت هناك تغيرات على المستوى البيئي فإنها ستعرف انتشارا واسعا سواء بالدول الفقيرة  أو حتى الدول التي تعرف تقدما في ميدان الطب , حيث ستشكل تهديدا حقيقيا لهده المجتمعات .             
      و في هذا الإطار فانه بالرغم من التقدم الحاصل في ميدان الطب فان هناك أمراضا خطيرة تعاود الظهور من حين لآخر خاصة في الدول الفقيرة . و بهذا الخصوص يبقى مرض السيدا أحد الأمراض الخطيرة التي تعرف تفشيا كبيرا في الدول الإفريقية خاصة , حيث أن أعداد هذا المرض في تزايد مستمر .
      من جهة أخرى هناك أمراض مرتبطة بأخطار التلوث الذي يمكن أن يحدث في السلسلة الغذائية للإنسان , حيث تتلوث المواد الغذائية كالنباتات و الحيوانات بمواد كيماوية خطيرة التي تنتقل عبر هذه المواد إلى الإنسان فتحدث بذلك أمراضا قاتلة, كما حدث مثلا في اليابان مع تلوث الأسماك بمادة الزئبق المطروحة من أحد المعامل بالقرب من البحر .

خاتمة:
   على امتداد عدة قرون ضربت مختلف الأوبئة كل المجتمعات الإنسانية تقريبا, مخلفة نتائج وخيمة على هذه المجتمعات. و مع نهاية القرن العشرين فان التقدم الذي حصل في ميدان الطب و الصناعة الصيدلية قد غير من هذا الواقع بشكل كبير. إلا أن الفارق بين الشمال و الجنوب فيما يخص إدراك مختلف هذه  المخاطر و الكوارث و التصدي لها يبقى هو السائد . ذلك أن الوضع الاقتصادي للبلد و طبيعة المجتمع و ثقافته تؤثر إيجابا أو سلبا في التخفيف أو تفاقم مخاطر الأوبئة .

bottom of page